قصص واقعية

رواية لقاء في مستشفى لبنت الهدى

الحلقة الأولى :

بسم الله الرحمن الرحيم تقلبت الدكتورة معاد على فراشها وهي تستمع بين اليقظة والمنام إلى رنين جرس الهاتف وكأن جسمها كان يعاني صراعاً بين سلطان النوم ونداء الواجب فاستمر الجرس يرن ويرن بأسلوبه الرتيب ، وبقيت هي تعاني صراعاً بين عالمي اليقظة والمنام ، حتى انتبهت مشاعرها وأحست بمسؤولية اليقظة فاندفعت نحو الهاتف وهي تلاحظ الساعة فتجدها تناهز الواحدة بعد منتصف الليل .
إذن فلا شك أنها حالة مرضية مستعجلة وهكذا كان ، فقد كانوا يستدعونها من الطابق السابع لوجود حالة خطيرة وما كان منها إلا أن أسرعت بلبس قناعها وأبرادها وخرجت مسرعة إلى حيث تجد المريض.
وأمام غرفة العلاج وجدت ممرضة أخبرتها أن المريض امرأة عجوز تشكو من آلام شديدة في صدرها فأسرعت الدكتورة في الدخول حيث استقبلتها فتاة شابة جميلة الوجه ، رشيقة القوام ، قد ارتدت الحجاب الكامل وكأن الدكتورة قد ارتاحت لمنظرها فشدت على يدها مسلمة بحرارة وهي تقول : ـ خير إن شاء الله .
قالت الفتاة : إنها جدتي يا دكتورة ، وقد انتابتها آلام قاسية منذ ساعات تعرضت خلالها لاغماء طال بضع دقائق .
قالت هذا وسارت مع الدكتورة حيث كانت الجدة ترقد شاحبة الوجه على طاولة الفحص وهي تئن من الألم .
فسارعت الدكتورة باجراء الفحوص اللازمة واستدعت معها من يعينها على ذلك وكانت تعمل بجد واندفاع وكأنها الطبيبة والقريبة في وقت واحد ، وكانت الفتاة تتجول خارج الغرفة تقطع الردهة بخطواتها القلقة جيئة وذهاباً ، حتى اكتملت الفحوص وثبت أنها مصابة بذبحة قلبية وأن عليها البقاء في المستشفى إلى فترة ، عند ذلك تم نقلها إلى غرفة خالية أعطيت بعض المهدئات ، الشيء الذي مكنها من النوم .
وكانت الدكتورة حتى ذلك الوقت مشغولة بتعهد أمر المريضة وتهيئة وسائل الاسعاف المطلوبة لها ، ولهذا فهي لم تتمكن أن تتحدث مع الفتاة بضع كلمات قصار تتعلق بحال المريضة ، ولكنها عندما اطمأنت على راحة المريضة ووثقت من أداء مهمتها بالشكل المطلوب التفتت نحو الفتاة التي كانت تقف في قلق إلى جوار سرير جدتها وقد تندت أهدابها بالدموع ، فبدت عيناها من خلالها وكأنهما نجمتان تتلألأن من وراء الغيوم .


تقف في قلق إلى جوار سرير جدتها وقد تندت أهدابها بالدموع ، فبدت عيناها من خلالها وكأنهما نجمتان تتلألأن من وراء الغيوم . فشعرت أن عليها أن تقول لهذه المسكينة كلمة تبعث في نفسها الأمل ، فحاولت أن تبتسم وهي تقول : أرجو أن يكون العارض بسيطاً سيما وقد أجريت لها الاسعافات اللازمة منذ البداية .
قالت الفتاة : أنني جد شاكرة لك اهتمامك بأمرها يا دكتورة .
قالت الدكتورة : إن هذا واجب عليّ تجاه كل مريض ، وهنا لاحظت الدكتورة أن لون الفتاة يبدو شاحباً ، فأمسكت بيدها فوجدتها باردة كالثلج فقالت لها بحنو بالغ : أجدك مرهقة جداً فلماذا لا تنامي ولو لبعض الوقت ؟ قالت الفتاة : آه نعم أنني متعبة ولكن جدتي كيف أتركها وحيدة ؟ قالت الطبيبة : أليس لديها بنت سواك لتشاركك السهر ؟ فترددت الفتاة لحظة ثم قالت : كلا ليس لديها بنت سواي وليس لدي أم سواها ، قالت هذا وانحدرت من عينيها قطرات من الدموع زادتها جمالاً على جمال.
فتألمت الدكتورة لحالها وقالت لها وهي تشد على يدها بحنو : سوف أسهر أنا عليها بدلاً عنك. قالت : كلا إن هذا لا يمكن أن يكون . ان عليك أن تنامي أنت فقد أجهدت نفسك بما فيه الكفاية .
فابتسمت الدكتورة وقالت : أنني اعتدت على هذه الاتعاب ولم أعد أحس بثقلها عليّ ، ثم أنني نمت ساعتين في بداية الليل ولهذا فأنت أحوج مني إلى الرقاد ، ولكن انتظريني حتى أذهب إلى غرفتي وأعود .
قالت هذا وخرجت من الغرفة دون أن تنتظر جواباً من الفتاة ، فأحست الفتاة بعد خروجها أنها كانت أمام انسانة رائعة من حقها أن تعتمد عليها وتركن اليها .
وسرعان ما عادت الدكتورة وهي تحمل بيدها كتاباً ثم قالت للفتاة : حاولي أن تنامي يا عزيزتي وسوف أقضي وقتي مع هذا الكتاب وأرجو أن تطمئني على جدتك لأنني سوف أهتم بأمرها جداً يا… وسكتت الدكتورة لأنها لم تكن تعرف اسم الفتاة .
فأسرعت الفتاة تقول ورقاء ، إن اسمي ورقاء يا دكتورة.
قالت الدكتورة : وان اسمي معاد يا ورقاء . والآن هيا إلى السرير الثاني فأنت مرهقة جداً ، ولم يسع ورقاء إلا أن تمتثل لأنها كانت تشعر باعياء شديد وسرعان ما استسلمت للنوم .
أفاقت ورقاء من نومها فوجدت أنها نامت أكثر من ساعة وأن معاداً ما زالت جالسة عند رأس جدتها تقرأ ، والجدة ما زالت مستسلمة لنوم مريح نتيجة تأثير الاوكسيجين عليها ، فقامت عن السرير وتوجهت نحو معاد تحييها بلهفة وتسأل عن جدتها فطمأنتها معاد ثم ألقت الكتاب من يدها ونهضت وهي تقول :


سوف أذهب الآن لكي أستعد لصلاة الفجر ثم أحاول أن أنام بعد ذلك ساعة قبل بداية الدوام وسوف أمر عليك غداً ان شاء الله .
فشكرتها ورقاء وشدت على يدها وهي تقول : لست أدري كيف أشكرك يا دكتورة معاد فقد كنت بالنسبة لي يداً رحيمة ساعدتني على تحمل الصدمة وأنا وحيدة.
قالت معاد : أنك لست وحيدة يا ورقاء ما دام الله معك ، فأنا الاحظ من حجابك أنك فتاة مؤمنة والايمان كفيل بأن يشدك ويسندك خلال جميع أدوار الحياة .
فأعادت ورقاء كلمات الشكر من جديد وودعت الدكتورة حتى باب الغرفة ، ثم عادت لكي تجلس إلى جوار جدتها وحيث كانت تجلس معاد من قبل فلاحظت أن معاد قد نسيت الكتاب الذي كانت تقرأ فيه واسترعى انتباهها اسمه الذي بدا وكأنه غريب عليها أو مستغرب لديها . فقد كان اسم الكتاب هو : ( الطب محراب للإيمان ) . وتساءلت مع نفسها في تفكير ساذج قائلة : ما معنى هذا يا ترى ؟
وما هو ارتباط الطب مع الإيمان ؟
أو ليس الطب علماً لدواء الأجسام بينما الدين عبادة للنجاة من النار ؟ إذن فكيف يصبح الطب محراباً للايمان ؟
ودفعها فضولها إلى أن تقلب صفحات هذا الكتاب. وقد اهتمت بشكل أولي بتصميم الغلاف إذ وجدته يحمل صورة ممثلة لدماغ الانسان وقد كتبت تحتها هذه الآية المباركة : ( هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه ). واستمرت تقلب صفحات الكتاب فتقرأ فيه سطوراً قصاراً تسلمها إلى تفكير طويل ، ولم تترك الكتاب إلا خلال أداء صلاة الفجر أو قضاء حوائج جدتها حيث كانت تعود الى الكتاب لتغرق بين صفحاته بالمطالعة والتفكير.
وأشرق الصبح ودخلت الممرضة المسؤولة لاعطاء دواء المريضة ثم خرجت ، وعندما ارتفع النهار جاء الدكتور المختص وفي صحبته دكتورة فأعاد الفحص وطمأنها بكلمات قصار وخرج ومن ورائه الدكتورة مشكلة بمشيتها التي تتراقص فيها أردافها وأكنافها وخصلات شعرها مع رنين كعب حذائها مشكلة في كل ذلك جوقة موسيقية راقصة. واستدارت قبل أن تخرج لتؤكد على ورقاء أن لا تدع المريضة تتعرض لأية حركة . وكأن هذه الكلمات القصار مكنت ورقاء من دراسة وجهها عن قرب فوجدته مثل لوحة بالغ النقاش في صبغها وتلوينها ، وسرعان ما خطر لها الفارق بين هذا الوجه الناطق بالتكلف ووجه الدكتورة معاد الناطق بالصفاء والنقاء.
وهنا أحست أنها تنتظر قدوم معاد بلهفة ، فهي تحس بالحاجة إلى أن تسمع منها بعض كلمات التشجيع ثم أنها تريد أن تسألها عن بعض ما جاء في هذا الكتاب فألقت نظرة على ساعتها وحدثت نفسها قائلة : لماذا تأخرت يا ترى ؟


وهنا أحست أنها تنتظر قدوم معاد بلهفة ، فهي تحس بالحاجة إلى أن تسمع منها بعض كلمات التشجيع ثم أنها تريد أن تسألها عن بعض ما جاء في هذا الكتاب فألقت نظرة على ساعتها وحدثت نفسها قائلة : لماذا تأخرت يا ترى ؟
وعادت تجلس إلى جوار الجدة التي كانت منتبهة ومرتاحة ، فجلست أمامها وهي سعيدة لتحسنها وقالت : لكم أنا سعيدة بتحسنك يا جدتي ليتك تعلمين كم عانيت القلق من أجلك البارحة .
قالت الجدة في كآبة نعم لقد كنت أحس ذلك منك سيما وأنك كنت وحيدة يا عزيزتي.
قالت ورقاء : ولكنني لم أشعر بالوحدة لوجود الدكتورة معاد . فقد كانت لطيفة ورقيقة إلى أبعد حد . تصوري أنها أصرت عليّ أن أنام وجلست هي إلى جوارك لمدة ساعة أو أكثر. فابتسمت الجدة وقالت : الحمد لله الذي أرسلها لك في ساعة المحنة يا عزيزتي.
وهنا طلبت ورقاء من جدتها أن تخلد للنوم لكي لا تجهد نفسها في الحديث . وعادت لتأخذ الكتاب تقرأ فيه من جديد ، وكانت تنظر إلى الساعة بين حين وحين وهي تنتظر قدوم معاد . حتى حان وقت الظهر فأدت فريضة الصلاة وهي تشعر أنها تفتقد شيئاً . واستغربت هذا الشعور من نفسها وحدثت نفسها قائلة : ما الذي يدعوني الى هذه اللهفة وما رأيتها إلا ساعات قلائل ؟
وهل هي سوى دكتورة أدت واجبها تجاه مريضة لا أكثر ولا أقل ولعلها سوف لن تعود إلينا ثانية .
وهنا أحست أن نداء من ضميرها كان يلح عليها بعنف قائلا : إن من حقك هذا التلهف والانتظار . لأنها انسانة وجدت لديها الكثير من العطف والحنان ، أنها لم تؤد واجب الطبيبة فقط ولكنها أدت واجب الانسانة الكاملة ولولاها لكنت الآن منهارة وأنت في وحدتك المرة مع جدة مريضة.
وأفاقت ورقاء من أفكارها هذه على طرقات خفيفة على الباب ، فنهضت تستقبل القادم وإذا بالدكتورة معاد تدخل وقد أشرق وجهها بابتسامة رصينة . فتقدمت ورقاء نحوها لتصافحها بحرارة لم تكن أقل مما أبدته معاد من حرارة ولهفة ثم قالت :
لقد عرفت من الدكتورة عبير تحسن حال الجدة ، وقد كنت مشغولة منذ الصباح إذ أنني مسؤولة عن ردهة التوليد اليوم ولهذا أرجو أن لا تكوني عاتبة عليّ لتأخري عنك .
فارتبكت ورقاء وقالت : ولكن كيف لي أن أعتب عليك يا دكتورة ، ولكنني كنت في حاجة إلى حضورك ولهذا كنت أنتظر .
فاكتسى وجه معاد بطابع الاهتمام إذ حسبت أن المريضة في حاجة إليها فمشت نحو الجدة وهي تقول :


كنت في حاجة اليّ ؟
ماذا ؟
هل تشكو جدتك من شيء ؟
فزاد ارتباك ورقاء وابتسمت في براءة وهي تقول :
كلا أن جدتي بخير والحمد لله ولكني أنا التي كنت في حاجة اليك فهل تسمحين بالجلوس ؟. فعادت الابتسامة إلى وجه معاد وقالت وهي تجلس : لقد جئت في هذا الوقت لكي أجلس معك إلى فترة يا ورقاء ولكي أرى إذا كنت متعبة أو في حاجة إلى النوم . قالت ورقاء : كلا أنني لا أشعر بالحاجة إلى النوم بل أنا في حاجة إلى اليقظة الكاملة ولهذا اريد أن أسألك عن شيء قرأته في هذا الكتاب ، ثم أخذت الكتاب بيدها وجلست إلى جوار معاد ، فقالت معاد :
آه لقد نسيت هذا الكتاب هنا ، لعلك قرأت فيه يا ورقاء ؟
قالت ورقاء : نعم وقد أسلمني إلى الكثير من التفكير .
قالت معاد : لماذا ؟
قالت : لأنني لم أكن أحسب أن هناك ربطاً بين الطب والايمان ، فالطب حسبما أعرف عنه : علم يتناول جسم الانسان ، والايمان عبادة لا أكثر ولا أقل .
قالت معاد : ولكن العلم هو الذي يدعو إلى الايمان يا ورقاء ، وكلما اتسعت أمام الانسان معارفه العلمية تصاعد لديه مستوى إيمانه بالخالق . قالت ورقاء : وكيف ؟
قالت معاد : إن كل من يجهل شيئا لا يثمنه يا ورقاء ، فأنت الآن مثلا لو نظرت إلى هذه المدفأة الكهربائية لما تمكنت أن تقدري مدى ما توخاه الصانع من دقة وعناية في تكوينها ، ولما خمنت ما يتطلبه ذلك من معرفة مسبقة وتجارب متعددة خلافاً لمن يعلم شيئا ولو يسيراً عن أدواتها ، وأجهزتها ، وتركيبها المتقن الرقيق . وهنا لاحظت معاد شبح ابتسامة يلوح على وجه ورقاء وهي تحاول أن تخفيها تأدباً أمام الكلمات ، فسكتت لحظة ثم خطر لها خاطر فسألت ورقاء قائلة : هل أنت طالبة يا ورقاء ؟
قالت ورقاء : نعم أنني ما زلت في السنة الأخير من الجامعة .
قالت ورقاء هذا ولم تذكر اسم الكلية التي تدرس فيها فأردفت معاد تقول : إنك في كلية الهندسة فرع المكانيك اليس كذلك ؟
فاستغربت ورقاء وقالت : نعم ، ولكن من أين عرفت هذا ؟
قالت : من شبح الابتسامة التي لاحت على شفتيك عند حديثي معك عن المدفأة ، فقد عرفت أن المثل لم يكن لينطبق عليك بالذات لأنك تعرفين عن صنعها بعض الشيء ولكنك لم تحاولي أن تردي عليّ ، وهذا يدل على منتهى الذوق منك وحسن الاستماع .
قالت ورقاء : ولكن مثلك كان مطابقاً لعين الحقيقة يا معاد سواء انطبق عليّ أو لم ينطبق . ولهذا أرجو أن تستمري بالحديث.


قالت معاد : نعم ، ولكن العلم بالشيء ولو علماً إجمالياً من حقه أن يضاعف تثمين ذلك الشيء نجد أن العلم على مختلف صوره وأشكاله يقرب أفكاره العلماء إلى الايمان بالله ، وبما أن على الطب من أهم العلوم وأدقها فأنه بالنسبة للعالم المنصف أوضح طريق للايمان .
قالت ورقاء : هل تسمحين لي بمزيد من التوضيح فأنا لا أعرف عن ديني سوى بعض التزاماته التقليدية ، مثل الصوم ، الصلاة ، والحجاب ، وطالما تعرضت للعديد من المواقف الحرجة بسبب ذلك إذ أن حجابي يوحي بأنني أعرف عن الدين الشيء الكثير … قالت الدكتورة : أنني أرحب بكل سؤال يا ورقاء .
قالت ورقاء : حتى ولو كان سطحيا يا دكتورة ؟
قالت معاد : أنني مستعدة للجواب عن كل سؤال مهما كان ولكنني أرجو أن تتركي كلمة الدكتورة جانباً ما دام حديثنا حديثاً أخوياً تجمعنا فيه كلمة الايمان . ناديني بمعاد وهذا يكفي ، ثم هاتي ما لديك بعد ذلك .
فابتسمت ورقاء وقالت : أريد أن أعرف لماذا اختار المؤلف رسم الدماغ بالذات لكي يجعله على الغلاف ؟
قالت معاد : لأن الدماغ يا ورقاء هو أهم جزء من أجزاء جسم الانسان ، وهو بمثابة الحاكم العامل في مختلف أجزاء الجسم وأعصابه وخلاياه ، وجسم الانسان بجميع ما فيه من خلايا عصبية خاضع في طاعة الدماغ ، والدماغ ، هذا الدماغ الصغير يحتوي على ألف مليون خلية عصبية !. وهنا رددت ورقاء قائلة في تعجب : ألف مليون خلية عصبية ؟!. قالت معاد : نعم ، ولكل من هذه الخلايا وظيفة خاصة وعمل محدد لا تتجاوزه ولا تتعداه ، ولكنها في الوقت نفسه مترابطة في العمل ، تستند كل خلية منها إلى الخلية الأخرى لكي تساعدها في النجاح ، وإذا تعطل أي منها كان لعطله أسوأ النتائج.
وهنا سكتت معاد .
قالت ورقاء : الحقيقة أنني لم أكن أحسب أن دماغ الانسان على هذا المستوى من الدقة .
قالت معاد : أن أحد العلماء وهو ( جودسون هريك ) قال عن الدماغ خلال محاضرة ألقاها في معهد التاريخ بنيويورك عام ( 1957 ) قال : « لو أننا جمعنا كل أجهزة العالم من التليفون ، والتلغراف ، والرادار ، والتلفزيون ثم حاولنا أن نصغر هذه الكومة الهائلة من الأجهزة المعقدة حتى استطعنا وبمجهود جبار أن نوصلها إلى حجم مثل حجم الدماغ فانها لا تبلغ في تعقيدها مثل الدماغ ».. وهنا قالت ورقاء : لطيف أن يحمل الانسان في رأسه هذا الجهاز المتقن الدقيق ، ولكن أليس من المؤسف أننا لا نعرف عن حقيقة أجسامنا شيئاً يا معاد ؟
قالت معاد : ان الحديث عن جسم الانسان طويل جداً يا ورقاء.
قالت ورقاء : وكيف ذلك يا معاد ؟ ألا يمكنك أن تعطيني بعض الأمثلة ؟


وهناك أيضاً نوع ثان من العضلات ليس للارادة أي دخل فيها وإنما هي محكومة لجملة عصبية خاصة ومن تلك العضلات أجهزة الهضم . ، والتنفس ، وعمل القلب ، وهنا يبدو جانب من جوانب حكمة الخالق في التصميم ، فلو كانت جميع الأجهزة خاضعة لعمل الارادة لما أمكن للانسان أن
يغفل عنها لحظة حتى وفي حال النوم وإلا لتوقف القلب عن الحركة وتعطل جهاز الهضم ، والتنفس عن العمل ، وكذلك الحال بالنسبة للعضلات المخططة التي تخضع في عملها للأعصاب الارادية ، فهي لو لم تكن خاضعة للارادة ومنشدة إليها ، ولو لم تكن غير قادرة على العمل بدونها لاستمرت بعملها كما استمرت العضلات الغير خاضعة للارادة .
قالت ورقاء : وماذا كان يحدث إذن ؟
قالت معاد : لاستمر الانسان يمشي ويمشي ويتكلم ما دام حياً وما دام قلبه ينبض بالحياة .
وكانت ورقاء تستمع في اهتمام بالغ ، وحينما سكتت بادرت تستزيدها قائلة أن حديثك شيق جداً يا معاد .
قالت معاد : يمكنك أن تقرأي هذا الكتاب لتعرفي الكثير عن أسرار جسمك يا ورقاء .
فسكتت ورقاء برهة ثم قالت في خجل : ولكنني لا أرغب في المطالعة يا معاد ، أنني أحب أن أسمع من أن أقرأ .
قالت معاد : ولكن السماع وحده لا يكفي ولا يغني يا ورقاء فما لم يعتمد الانسان على ذهنه في فهم ما يريد لما تفهم ما يكفيه . فالانسان الذي يسمع أكثر مما يقرأ يصبح اتكالياً في فهمه للأمور ، لأنه يستقبل الحقائق مشروحة وموضحة ولا يكلف نفسه مشقة مطالعتها واستيعابها شرحاً وتوضيحاً وما دام الفهم معتمداً على الآخرين كانت المعلومات محدودة لأن السماع مهما كان لا يبلغ إلى مستوى القراءة في الكم والكيف.


وهنا تململت الجدة على فراشها فقامتا إليها معاً . وانحنت عليها معاد تسأل عن راحتها فابتسمت الجدة وشكرتهاعلى موقفها منها في الليلة الماضية وقالت لها :
أنني دعوت لك كثيراً لموقفك البارحة مع ورقاء وسوف أدعو لك ما دمت حية .
قالت معاد : أنني أشكرك جداً وأرجو لك العمر الطويل .
قالت الجدة : ولكن ما هو اسمك يا ابنتي ؟
قالت معاد : ان اسمي معاد .
فسكتت الجدة لحظة ثم قالت : لقد سبق أن سمعت بمثل هذا الاسم من قبل ولكن ما هو اسم أبوك يا معاد ؟
وهناك لاحظت ورقاء أن معاداً قد تجاهلت السؤال حيث قالت : أنني سوف أزورك في كل يوم يا خالة وأرجو أن تتقدم صحتك بسرعة بفضل الله وبفضل عناية ورقاء .
فضحكت ورقاء وهي تقول : وبفضل الدكتورة معاد أيضاً . ثم عادتا للجلوس ، وكانت ورقاء تود لو استأنفت معاد حديثها ولكن خشيت أن تطلب منها ذلك فتثقل عليها فيه ، ولهذا مرت عليهما فترة سكوت تتخلله بعض الكلمات وعندما أرادت معاد أن تذهب طلبت منها ورقاء أن تترك الكتاب عندها لتقرأ فيه . انتظروا الأحداث الشيقة في الحلقة الثانية.

 


#لقاء_في_مستشفى #العلم #القراءة #رواية #الحجاب#الوردي #القوة #المرأة #الحب #الحياة #الحرية

رابط الرواية

الحلقة الأولى : بسم الله الرحمن الرحيم تقلبت الدكتورة معاد على فراشها وهي تستمع بين اليقظة والمنام إلى رنين جرس الهاتف وكأن جسمها كان يعاني صراعاً بين سلطان النوم ونداء الواجب فاستمر الجرس يرن ويرن بأسلوبه الرتيب ، وبقيت هي تعاني صراعاً بين عالمي اليقظة والمنام ، حتى انتبهت مشاعرها وأحست بمسؤولية اليقظة فاندفعت نحو الهاتف وهي تلاحظ الساعة فتجدها تناهز الواحدة بعد منتصف الليل . إذن فلا شك أنها حالة مرضية مستعجلة وهكذا كان ، فقد كانوا يستدعونها من الطابق السابع لوجود حالة خطيرة وما كان منها إلا أن أسرعت بلبس قناعها وأبرادها وخرجت مسرعة إلى حيث تجد المريض. وأمام غرفة العلاج وجدت ممرضة أخبرتها أن المريض امرأة عجوز تشكو من آلام شديدة في صدرها فأسرعت الدكتورة في الدخول حيث استقبلتها فتاة شابة جميلة الوجه ، رشيقة القوام ، قد ارتدت الحجاب الكامل وكأن الدكتورة قد ارتاحت لمنظرها فشدت على يدها مسلمة بحرارة وهي تقول : ـ خير إن شاء الله . قالت الفتاة : إنها جدتي يا دكتورة ، وقد انتابتها آلام قاسية منذ ساعات تعرضت خلالها لاغماء طال بضع دقائق . قالت هذا وسارت مع الدكتورة حيث كانت الجدة ترقد شاحبة الوجه على طاولة الفحص وهي تئن من الألم . فسارعت الدكتورة باجراء الفحوص اللازمة واستدعت معها من يعينها على ذلك وكانت تعمل بجد واندفاع وكأنها الطبيبة والقريبة في وقت واحد ، وكانت الفتاة تتجول خارج الغرفة تقطع الردهة بخطواتها القلقة جيئة وذهاباً ، حتى اكتملت الفحوص وثبت أنها مصابة بذبحة قلبية وأن عليها البقاء في المستشفى إلى فترة ، عند ذلك تم نقلها إلى غرفة خالية أعطيت بعض المهدئات ، الشيء الذي مكنها من النوم . وكانت الدكتورة حتى ذلك الوقت مشغولة بتعهد أمر المريضة وتهيئة وسائل الاسعاف المطلوبة لها ، ولهذا فهي لم تتمكن أن تتحدث مع الفتاة بضع كلمات قصار تتعلق بحال المريضة ، ولكنها عندما اطمأنت على راحة المريضة ووثقت من أداء مهمتها بالشكل المطلوب التفتت نحو الفتاة التي كانت تقف في قلق إلى جوار سرير جدتها وقد تندت أهدابها بالدموع ، فبدت عيناها من خلالها وكأنهما نجمتان تتلألأن من وراء الغيوم . #بنت_الهدى #الحجاب #لقاء #لقاء_في_مستشفى #ربي #الجنة #الحب

A post shared by أرواحنا هبة من الله فلنشكره 🍃 (@fhz333) on

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى